تصر أمي،
عندما نترك كلنا المنزل لأي غرض، أن يُضاء مصباحٌ بعينه قبل مغادرة آخر فرد فينا.
يقع هذا المصباح تحديدًا أمام بوابة المنزل، ولا يضاء أبدًا طالما يوجد أشخاص
بالداخل. ولأن هذا يبدو غريبًا، أو على الأقل بدا كذلك بالنسبة لي، سألت أمي عن
جدوى ذلك. قالت بأن ترك هذا المصباح مضاءً "يخلي الحرامية يفتكرونا موجودين
جوا، فميدخلوش!" ولكن إذا نظرت للأمر بتمعن، ستجد أن كون هذا المصباح لا
يضاءً إلا عندما يكون المنزل فارغًا يمثل -لأي مراقبٍ مبتدئ-علامة لا شك فيها على
عدم وجود أي شخص بالداخل، وبالتالي، الوقت المناسب لعملية السطو المرتقبة! وعلى
الرغم من أن ذلك المصباح -إن لم يشكل تهديدًا-لا يقدم أن وسائل دفاعية، إلا أن أمي
تصر على هذه العادة، وكأن هذا يشعرها بالأمان أو شيء من هذا القبيل.
ليس
الأمر مقتصرًا على مصابيح مضاءة أو طاقة مهدرة، فالمتأمل لطبيعة سلوكياتنا وقراراتنا
يجد أن خوفنا من "الحرامي" يشكل كثيرًا منها. فمثلاً، كثيرون يهربون من
مميزات السكن في الدور الأرضي العديدة، كعدم الاضطرار لصعود سلالم، أو الحديقة
الصغيرة المرفقة أحيانًا في تصاميم بعض العمارات، يتركون هذا لأن شقة الدور الأرضي
هي الأقرب من الحرامي الذي لن يتمكن من تسلق شجرة قريبة والنزول من السطح مثلاً أو
الدخول من نافذة الشقق العليا! تجد الخوف من الحرامي يتجسد أيضًا في العديد من
النصائح التي يوجهها كبار السن عادة، عبارات من نوعية "متاخدش فلوس كتير معاك
وانت نازل"، "حط الموبايل في الشنطة متمسكهوش في إيدك"، "اقفل
الباب بالمفتاح وسيبه في الكالون" وغيرها من التوجيهات، وهي احتياطات ضرورية
بلا شك، لكنك تستغرب حين ترى شخصيات بهذا الحرص لا تتورع عن مشاركة أدق تفاصيل
حياتهم مع أناس لا توجد أية ضمانات على استحقاقهم لذلك، وكأن الحادثين غير مرتبطين
على الإطلاق!
منذ قيام
ثورة الخامس والعشرين من يناير، جدت بعض المعالم على حياة الأفراد، لا يهمنا هنا
بأي قدر حصل التغيير أو عما إذا كان قد دفع لتقدم أو تأخر، إلا أن واحدة من جملة
تلك التغييرات جعلت تلك الإجراءات الوقائية الناتجة عن الخوف من الحرامي عديمة
القيمة، فالحرامي لم يعد بحاجة لمراقبة مصابيح المنزل أو اختيار الشقق الأرضية أو
الاجتهاد في البحث عن فريسة منشغلة عن هاتفها المحمول الموضوع في الجيب الخلفي
للبنطال، حيث قرر هذا الحرامي الخروج عن المألوف والبعد عن التعقيدات، عندما أمسك
المطواة وأصبح يسير بها في الشارع غير مستتر حتى بظلمة الليل، يوقف
"الميكروباص" ويجبر كل من فيه على إفراغ جيوبهم، ثم يجبر السائق على ترك
المركبة بأكملها، بينما يمارس المارون حياتهم الطبيعية بسلام!
(أنتهي
من كتابة المقالة، وأذهب لأرتدي حذائي، ثم أضيء المصباح الخارجي، وأغلق باب المنزل
بالمفتاح، وأذهب لأركب السوزوكي التي لطالما سمعت عن حوادث سرقة تحدث لركابها،
وأنا مطمئنة لأن أحدًا لن يدخل الشقة لأني "سابية اللمبة منورة"!).
هايل يا ياسمين
ReplyDeleteالمهم جدا في فكرتك هو الخوف من الحرامي.و هو "الخوف" عموما. في النوبه و في سينا و في مجتمعات تانية كتير، الناس بتحس بالأمان و بتسيب بيوتها مفتوحة و هما مش موجودين جواها. احنا ليه بنخاف من السرقة؟ ارجعي اسألي ماما هي بتتخيل الحرامي يكون مين و شكله ايه.