دعني في البداية أعترف لك بسر
صغير؛ انا هو ذلك المتعجرف الذي يعرف كل
شئ ويسخر من اي شئ. اسخر من الاطباء والمهندسين واساتذة الجامعة والحاصلين علي
نوبل! يستحيل ان يتكلم شخص لخمس دقائق بدون أن يخطئ. استغل هذه الثغرات لتسفييه
آرائه والسخرية منها. انها عادة سيئة لست فخوراً بها ولكنني علي الأقل اعرف ان لكل
شئ حدود؛ حدود "التسفييه" تتوقف عند أولئك العباقرة اصحاب ربطات العنق والشعر المصفف بعناية
اصحاب السلطة الأكبر والمتحكيمن في مصائر أكبر عدد من الناس؛ السياسيين...
توقفت منذ عدة سنوات عن متابعة
القنوات الفضائية. اصبحت السياسة هي الوجبة الرئيسية لتك القنوات بدلاً من برامج
التسلية والمنوعات. انه استبدال عادل في وجهة نظري فالسياسيون ليسوا الا زمرة من
المهرجين علي اي حال، لا يجب ان يؤخذ كلامهم علي محمل الجد وإنما هي الاعيب
بهلاوانية بالمنطق تحتاج فقط الي "ميزان ذهب" للقيام بها! اذا تصادف
وجودي اثناء تشغيل أحد تلك الحوارات او الخطابات، لا يمكنني الا ان انفجر ضحكاً
بعد سلسلة المغالطات المنطقية الساذجة التي يرتكبها المتحدث عادة. تتضايق والدتي وتطلب مني اظهار بعض الأحترام فالرجل يتكلم كلاماً موزوناً بميزان الذهب علي حد تعبيرها. عندما افكر حقاً
في ذلك التعبير فعلي ان أعترف أنه دقيق للغاية. كلام الرجل فعلاً موزون بعناية
شديدة لكن ليس كل ما يوزن بعناية ذهباً! انه يحاول ان يبع لك تلك الأفكار بعد ان
يزنها بعناية ويضعها في صندوق الحلي. تكمن براعة هؤلاء في اقناعك فعلاً بشراء
الصندوق بدون النظر بداخله. بدأت اتأمل تلك المغالطات لأكتشف انها ليست ساذجة وانما "موزونة" بنفس الطريقة. ربما اكون انا هو الساذج بعد كل شئ.
اعتقد أن لغة السياسة في مدينتنا
هي لغة خادعة للغاية، انها هزلية وعبقرية في نفس الوقت. يمكنك ان ترصد بسهولة
الجانب الهزلي فيها؛ انظر جيداً الي برامج الثرثرة التي تملأ الشاشات ستجد المهرجين
في كل مكان حتي لأني اعجر عن تسفييه ما يقومون به لأنه بالفعل قد وصل الي الحدود الدنيا! اما عبقريتها فتكمن في ان ذلك المهرج يمكنه بالفعل ان يأخد ما في جيبك وان
يضع فوق رأسك ارنباً بدون أن تنتبه! اتمني الا تكون تلك هي مقدمات لما وصفه جورج أوريل
في رائعته 1984. اترك لكم هذه الكلمات الذهبية من الرواية لتحكموا بأنفسكم. (للآسف
لم أجد ترجمة جيدة بالعربية)
“To know and not to know, to
be conscious of complete truthfulness while telling carefully constructed lies,
to hold simultaneously two opinions which cancelled out, knowing them to be
contradictory and believing in both of them, to use logic against logic, to
repudiate morality while laying claim to it, to believe that democracy was
impossible and that the Party was the guardian of democracy, to forget whatever
it was necessary to forget, then to draw it back into memory again at the
moment when it was needed, and then promptly to forget it again, and above all,
to apply the same process to the process itself – that was the ultimate
subtlety: consciously to induce unconsciousness, and then, once again, to
become unconscious of the act of hypnosis you had just performed.”
جميل يا عمار :)
ReplyDelete