لا تكف سياسات التعليم في
بلادنا عن ادهاشي. يصرون دائما علي وضع مناهج دسمة للغاية مكتظة بالمعلومات ولكنهم
يتغافلون تعليمك بعض الاساسيات؛ كأن لديك عقلاً مثلا! الوزارة لديها عشرات من خبراء
التعليم، يعملون علي "مراجعة وتنقيح مصفوفة معايير، ومؤشرات محتوى" ويرفعون
شعارات رصينة كـ"مراعاة الاتجاهات العالمية المعاصرة في البناء الحلزوني
للمنهج" بالطبع لن تفهم كلمة واحدة؛ فأنت
لست خبيراً بالعلوم التربيوية مثلهم.
اشفق علي اختي الصغيرة بالمدرسة الابتدائية كلما رأيتها تذاكر. تحمل الكتاب وكأنها تحمل صحيفة ذنوبها. عليها ان تحفظ ترتيب الدول المصدرة للقمح والشعير والقرنبيط وأن تعرف أن القطن والفراولة وقصب السكر هي محاصيل صيفية. نعم، انا علي دراية بأن قصب السكر محصول معمر، يزوع فى عرواين: عروه خريفى فى سبتمبر واكتوبر وعروه ربيعي. ولكن لا جدوى من اخبارها فعليها تذكر المعلومة المقدسة الواردة بالكتاب وعلي اي حال فمن يكترث لمعلومة كهذه! تحمست بشدة عندما طلبت مني ان اشرح لها مادة العلوم ذات مرة. "العصارة الصفراوية تفرز من الكبد وتصب في الاثنا عشر بالأمعاء الدقيقة وتعمل علي تجزئة الدهون وتحويلها لمستحلب دهني" انتهت حماستي بعد أن انهيت الجملة وايقنت انها غير مفيدة؛ حتي انا لا اعرف ما هو المستحلب الدهني. تسألني عن معني كل هذا فاجيب بأني لا أعرف، عليكي فقط معرفة تلك الأعضاء ووظائفها. تشكرني بنبرة استهزاء ولسان حالها يقول "كنت اظن انه يدرس احد التخصصات العلمية كيف له ان يجهل هذه البدائيات!"
الخلاصة هي ان هناك فجوة بين
النظرية والتطبيق. لدينا مشكلة كبيرة وهي محاولة التنظير في كل شئ؛ محاولة اقناع
الجميع بأنك تسيير علي اسس علمية دقيقة. علي ارض الواقع، تفشل هذه النظريات فشلاً
ذريعاً؛ ببساطة لأن التعليم هو فن أكثر من كونه علماً. يقولون ان لكل شكل من اشكال
الفن لغته الخاصة. مشكلتنا في فهم لغة التعليم -إن جاز التعبير- هي اننا مازلنا
نستخدم لغة "البناء الحلزوني للمنهج" وهي لغة يمكنك استخدامها دائماً اذا
اردت التظاهر بفهم شئ ليس لديك ادني فكرة عن معناه. النتيجة هي مدرسون يتظاهرون
بالشرح وتلاميذ يتظاهرون بالفهم وتخريج اجيال جديدة من "الفهلوية". أشعر
بأن للمشكلة حلاً بسيطاً للغاية وإن كنت اجهله...اشفق علي اختي الصغيرة بالمدرسة الابتدائية كلما رأيتها تذاكر. تحمل الكتاب وكأنها تحمل صحيفة ذنوبها. عليها ان تحفظ ترتيب الدول المصدرة للقمح والشعير والقرنبيط وأن تعرف أن القطن والفراولة وقصب السكر هي محاصيل صيفية. نعم، انا علي دراية بأن قصب السكر محصول معمر، يزوع فى عرواين: عروه خريفى فى سبتمبر واكتوبر وعروه ربيعي. ولكن لا جدوى من اخبارها فعليها تذكر المعلومة المقدسة الواردة بالكتاب وعلي اي حال فمن يكترث لمعلومة كهذه! تحمست بشدة عندما طلبت مني ان اشرح لها مادة العلوم ذات مرة. "العصارة الصفراوية تفرز من الكبد وتصب في الاثنا عشر بالأمعاء الدقيقة وتعمل علي تجزئة الدهون وتحويلها لمستحلب دهني" انتهت حماستي بعد أن انهيت الجملة وايقنت انها غير مفيدة؛ حتي انا لا اعرف ما هو المستحلب الدهني. تسألني عن معني كل هذا فاجيب بأني لا أعرف، عليكي فقط معرفة تلك الأعضاء ووظائفها. تشكرني بنبرة استهزاء ولسان حالها يقول "كنت اظن انه يدرس احد التخصصات العلمية كيف له ان يجهل هذه البدائيات!"
هايل يا عمار
ReplyDeleteاللي كتبته شبه اللي كتبه أحمد خليفة في بوست "التصنع". ليه بنمثل إننا بنتعلم؟ و ليه حد بيمثل إنه بيعلمنا؟ لما ممكن فعلا نتعلم؟
تفتكر ليه؟
اعتقد ان المشكلة في النظام برمته! المدرس بتنحصر مهمته انه يقول اللي في الكتاب والتلميذ بيحس ان مهمته يهز راسه ويكتب الواجب! دا مش هيتغيير غير بتغييرات جذرية في النظام مش مجرد تغييرات صورية زي تعديل المناهج او عدد سنين الدراسة.
Delete