Thursday, June 9, 2016

المدينة و القرية

طول عمري عايش في القاهرة بينما ما زالت اسرتنا مرتبطة ارتباط وثيق بالقرية اللي أصولنا منها ما زالت اغلب العيلة موجودة هناك حتي الآن. علي طول زياراتنا للبلد مبتتوقفش الحمدلله ، سواء في الاعياد او المناسبات الافراح و العزاءات أو لمجرد اننا ننزل نطمن ع الجماعة كلهم هناك يعني و نسلم عليهم، بلدنا دي بعيدة حوالي ٣٠٠ كيلو عن القاهرة و المشوار بيبقي متعب الي حد ما حتي و احنا بنروح بالعربية.

ما بين التنقل هنا و هناك كان في ملاحظات لفروق كبيرة جدا بين المكانين، انا من صغري اتعودت ابقي موجود في الاتنين فطلعت و مش حاسس ان في حاجة تستدعي التوقف و النظر. المجتمعين دول يكادوا يكونوا مختلفين تماما. خليني اوضح ان بلدنا دي في المنيا احدي محافظات الصعيد الجواني "يا باظه :p "، المنيا فيها جزء مدينة و اجزاء كتيرة بقي قري و نجوع و ريف يعني عموما. المشكلة ان حتي الاختلافات مش بين المنيا و القاهرة، الاختلافات بين المنيا القرية "اللي بنسميها البلد" و المنيا المدينة. ليا قرايب في الاتنين، و كنت بقعد في البلد اكتر لما ابقي موجود هناك، بس لما ابتديت اقرب لقرايبنا بتوع المدينة لاحظت اختلاف مش بسيط ، رغم ان دول عائلة واحدة بس مجموعة سابت البلد و قررت تقعد في المدينة و بقي في اجيال دلوقتي ولاد البلد، و أجيال ولاد المدينة و دول غالبا ميعرفوش يقعدوا في البلد.

الاختلافات مش بتنحصر في فكرة ان المجتمع الريفي اقرب لبعضه من مجتمع المدينة، لا ده حتي العادات و الطباع و السلوك و حتي الالفاظ بتختلف.

كأبسط الأمثلة بعض الشتايم اللي بتسمعها في الطريق عادي في البلد بتبقي الفاظ لا تليق و ميصحش تتقال في المدينة، في حين ان اهل البلد بيقولوها عادي جدا، مش بقول انهم وحشين انا بوضح اختلافات بس. بينما مثلا اهل البلد متقاربين جدا، و طباعهم متشابهة غالبا،و نظامهم يومهم تقريبا بيمشي بشكل واحد ما بين الشغل و الغيط "المزرعة يعني" و البيت، و حتي طريقة اللبس واحدة اللي هيا الجلبية البلدي دي، في المدينة كل واحد له عالمه المختلف و طريقة شغله و يومه بيمشي بنظام غير التاني.

في البلد الناس قريبين لبعض، بيسألوا علي بعض، محدش بيتعب او يعيي غير و الكل تقريبا يعرف و البعض يروح يسأل عليه و يزوره، بيساعدوا بعض، و أجمل حاجة ان بيوتهم كلها مفتوحة لبعض. يعني من اكتر ما بيشدني في البلد البساطة و عدم التكلف الموجود في المدينة بشكل فج. الناس علي طبيعتها بشكل كبير، عادي جدا تبقي معدي قصاد بيت واحد و تخبط و تخش تسلم و تقعد معاه _من غيرما تاخد معاد قبلها ب ٣ شهور_، ممكن لو بياكل كمان فهينزلك تاكل بالعافية معاه، و يدايق جدا لو مكلتش بدون مبرر واضح و يعتبرها اهانة يمكن، حتي لو الاكل بسيط جدا مش عامل وليمة يعني، و الناس بتنزل تاكل عادي مفيش الحساسيات الغريبة اللي هنا دي و لازم يبقي اكل معين و عاملين حسابنا و يعني لازم الضيف لما ييجي ياكل حاجة "كويسة" مش هنعمله عدس مثلا، و يظل الكونسبت ده غريب بالنسبالي ايه الفكرة من انه مينفعش ياكل اللي موجود و خلاص، ليه الناس بتطبخ مخصوص للضيف، و انهاك غالبا للاسرة و خاصة اللي بيطبخ اللي هيا الام الغلبانة :3 في البلد بتاكل من اللي موجود عند الراجل وقت ما دخلت، حتي لو ابسط حاجة فول و طبق سلطة و بيض مثلا. و بيبقوا مبسوطين و الناس مبتاكلش وشهم ولا حاجة -_-
الوضع علي العكس في المنيا المدينة ، تلاقيهم معقدين كده برضه، بس برضه مش معقدين اوي زي القاهريين، بيبقي في سنة بساطة شوية عشان قريبين لاهل الريف مهما كان و بيطبّعوا شوية علي بعض.

في البلد كذلك لازم يعرفوا انت مين، مينفعش بني ادم يبقي عايش وسطهم كده حتي لو مبيعملش اي حاجة غير لما يبقوا عارفينه و عارفين ابن مين، متعرفش تقريبا بيحسوا بالامان لما يبقي كل اللي وسطهم منهم، اكتر سؤال بتسأله هناك انت ابن مين، ابن الحاج انور و يبتدي الترحاب بقي و يسأل ع العيلة كلها و ياخدك يقعدك في بيته و متمشيش الا لما تتغدي معانا انت و الحاج انور ذات نفسه، في حين انه اول مرة يشوفك، بس لمجرد ان انت اه مننا و ضيف كمان يبقي هندلعك ع الاخر يعني.

الكرم بياخد حقه بزيادة جدا هناك في البلد، بيصل ساعات لحد اني بقول انه بدأ يبقي تبذير، هما بيسرفوا في الكرم جدا و خصوصا في المناسبات الشخصية، لازم لو في مناسبة الراجل يكرم كل الناس اللي جياله،  في الافراح بيبقي في صرف فلوس بشكل غريو مبالغ فيه. لازم يمدوا يومين قبل الفرح، و المد للي ميعرفش هوه الاوبن بوفيه هناك😂، هوه شبيه في المنظر بموائد الرحمن، ترابيزات كتير بينزل عليها اكل للناس اللي جاية تبارك، و طبيعي الاكل مش اختيار، مش هتعرف تبارك من غير ما تاكل عشان دي تعتبر عيبة في حق الراجل اللي انت رايحله، و طبعا بيبقي في دبح و طباخين مخصوص و هكذا لمدة يومين ممكن ياكل فيهم بتاع ٥٠٠ واحد مثلا و يقوموا شبعانين فعلا، بيبقي مبالغة شوية بس بيعتبروه كرم و من لوازم الافراح المد ده.

في البلد برضه ضرب النار شئ عادي، مش اللي هوه انت كده نمس يعني زي هنا، الطبيعي ان الناس معاها سلاح، و ان الناس بتتخانق بالسلاح ده في الخناقات الكبيرة، و انهم بيجاملوا بعض بيه في الافراح. يعني .. ضرب النار هناك شئ اعتيادي بس مش عمال علي بطال برضه، هوه ليه اوقاته اللي بيخرج فيها، اللي بيتحكيلي انه زمان كان الوضع مأساوي في السبعينات، و ان بلدنا كانت عاملة ازمة بالسلاح اللي كان فيها، وصلت لتهديد من السلطات للناس في بلدنا، و انها اتحاصرت بدبابات _و العهدة ع الراوي_ عشان العائلات تبطل تاخد طارها من بعض، كان ساعتها في مشاكل طار كبيرة و الناس كانت بتموت مرتين في اليوم مثلا، الحكومة كانت شقيانة في النص.
بالمناسبة كلمة الحكومة في المدينة يقصد بيها السلطة الحاكمة، بينما في البلد يقصد بيها الشرطة بس، و الشخص اللي شغال في الشرطة بيتقال عليه ده حكومة. المقصود هنا بالحكومة الشرطة.

ده ببساطة بعض و ليس كل اوجه الاختلاف بين اهل البلد و اهل المدينة من خلال ملاحظاتي السريعة للناس و تصرفاتها. الموضوع مش بيقف عند الحاجات دي بس، لا بيمتد مثلا لمنطق الغيرة علي الستات مثلا، و طرق معاملتهم داخل البيت، علاقات الرجالة في القعدات الرجالي فقط و كلامهم بيبقي عن ايه، الستات برضه اغلب نقاشاتهم بتبقي عن ايه في البلد و في المدينة، الاطفال و التربية المختلفة، تعليم العيال و الاهتمال بثقافتهم، الارتباط بالدين و منطق الخضوع للدين، كل دي اختلافات كبيرة جدا و جوهرية مش شكلية بين ناس جمب بعض ببتاع ٢٠ كيلو مثلا. الناس مختلفين بشكل غريب و كبير جدا حتي في المناطق المتجاورة. معرفش ده اصله يرجع لايه مبحبش افتي كتير _انا بفتي علي ادي كده :'D _ بس يتهيألي المكان و البيئة بتطبّع اهلها بطباع معينة، ثم بييجوا هما بعدين يتوارثوا الطباع دي و تتغير حسب تغير البيئة برضه و المناخ العام المحيط. البيئة دي اقصد بيها المكان، اللي هوه المدينة، او اللي هوه القرية.

و دمتم :)

No comments:

Post a Comment