Thursday, June 9, 2016

غش الثانوية

تابعت الأخبار المتداولة عن تسريب امتحانات الثانوية العامة –كأغلب المصريين- بشئ من الأشمئزاز. لم اتفاجأ في البداية لأن الغش موجود دائماً وفي كل الأنظمة التعليمية. لا اعتقد أن وجود صفحات علي مواقع التواصل الإجتماعي قد ساهم في انتشاره؛ لكنه فقط أخرج قليلاً منه الي حيز الضوء. أما اشعرني فعلاً بالحسرة فقد كان فلسفة البعض في تبرير الأمر.
لا يتطلب الغش كثيراً من العناء فهناك مثلا الطريقة البدائية وهي حجة استخدام الحمام اثناء الأمتحان. والذي يكون مجهزاً من قبل بمجموعة من الكتب والمذكرات. الجميع يعلم بهذه الحيلة حتي اني اتذكر رد احد المراقبين علي أحد الطلاب الذين ارادوا استخدام الحمام بأن "الأمتحان سهل ومش محتاج حمام". هناك بالطبع طرق اكثر ابداعا من هذا كسماعات البلوتوث واستخدام اكواد معينة بين الطلاب. ايقاف عملية التواصل امر مستحيل وبالتالي يستحيل ايقاف عملية الغش. بالطبع لا اقصد ان ادافع عن التصرف ولكن مشكلتي اكبر من ذلك...
انا اؤمن بأن الحياة عادلة وانا من يغش سيلقي جزاءه في النهاية. ربما قد يفشل من البداية ويواجه عقاباً فورياً بالفصل او يفشل في الاجابة بعد أن رآها؛ كصديقي الذي اخبرني واثقا بعد احد الامتحانات ان عدد العناصر الكيميائية 116 –تبعاً لمناهجنا القديمة- لانه قرأها –في الحمام- ولكنه لم ينتبه لأن السؤال كان عن عدد العناصر الموجودة بالطبيعة فقط وهو 94 . او كالمئات الذين يفشلون بعد دخولهم ما يسمي بـ"كليات القمة" وتتوقف حياتهم. ربما يتمكن الغشاش من الافلات بفعلته مادياً ولكن مهما كان "حويطاً" سيظل هناك ثمن عليه دفعه؛ انه ذلك الاحساس بالحقارة والخسة، بأنه قد ظلم غيره وباع مبادئه. محاولة تبرير الغش هي اكبر من الجريمة ذاتها لأنها ترفع عنه تلك المعاناة النفسية. تماماً كالذي يبيح السرقة. إن كونك في نظام تعليمي فاشل لا يبرر ابداً الخروج علي قواعد اللعبة والتي وافقت عليها بدخولك النظام. وبالطبع فحصول كل الطلاب علي درجات عالية لم يسهم الا بتفاقم ذلك الفشل بتخريج اجيال من الجهلة الغشاشين وحرمان من استحق ذلك المكان.
اقل مشاكلنا في هذه القضية هي نظام التعليم! لدينا مشكلة اكبر مع تلك العقليات المريضة التي تحاول تسميم عقول الأجيال القادمة. اولئك من سربوا الأمتحانات ونشروا ثقافة "الخطأ بالخطأ يساوي الصواب" لم يكونوا طلاب وانا كانوا يمثلون آباء خائفين علي مستبقل ابنائهم. لماذا كل هذا؟ هل تريد ضمان مستقبل ابنك؟ هل تظن حقاً ان دخوله كلية "قمة" سيضمن له مستقبله ويستحق تشويه مبادئه؟ قبل ان ننتقد النظام علينا ان نعرف النظام نابع من داخلنا ولا شئ سيتغيير طالما لم نغيير طريقة التفكير الرجعية المسيطرة علي عقولنا والتي تسببت بما فيه الكفاية من خراب...

"مفيش حاجة اسمها كليات قمة و كليات درجة تانية. مصر تحتاج جيش من المبدعين في كل التخصصات يحارب الفقر والجهل والمرض ولا تحتاج إلى حشود من موظفين المحبطين. أنظر حولك و عطني دليل واحد عكس ذلك، فبينما تشتعل أسهم الطب و الهندسة، نرى مستويات متدنيه في الرعاية الطبية في كل مكان وعشوائيات تغطي نصف مساحات مدننا. كل التخصصات مهمة فلا تعيش في كذبة "كلية مضمونة" ، الحياة ملهاش ضمانات ، و إذا كنت فاكر عكس كدة يبقى مكانك البيت مش الجامعة." دكتور عصام حجي

No comments:

Post a Comment