Wednesday, June 8, 2016

مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا

كل الناس كتبت عن المدن المختلفة، سواء المدن اللي عشنا فيها صغيرين أو اللي اتغرّبنا فيها لما كبرنا. اللي استغربته إن مافيش حد فكّر يكتب عن المدينة الوحيدة المشتركة بين حياتنا كلنا، (مدينة) زويل للعلوم والتكنولوجيا..
أول ما جيت الجامعة كنت شايفاها المدينة الفاضلة، هي كانت فعلا كده. كنا كلنا على بعض مش عاملين 300 فرد، في المكان الكبير ده أيام ما كان لسة معانا المبنيين. مع الوقت بدأنا كلنا نعرف بعض. الموضوع كان غريب في الأول، الدكاترة لما كانوا بيشفوني ماشية في حتة كانوا بيقفوا يبتسمولي ويحييوني، مع الوقت اتعلمت إن انا كمان ابتسم واحيي أي حد أشوفه، ومع الوقت بقينا كلنا نبتسم ونحيي بعض. 
في سنة أولى كانت المدينة دي هي بيتي الوحيد، باجي الساعة 8 وبمشي 11 بليل، وفي الوقت ده كله أنا عايشة في المكان ده بتأمّل في كل تفاصيله الصغيرة الجميلة. لما كنت بحل وحش في امتحان مثلا، كنت بروح أقعد في الجنينة البعيدة اللي ورا المبنى ال"إداري"، المكان ده لسبب ما كان بيوفّرلي كل عناصر الهدوء والأمان اللي انا محتاجاها في الوقت ده، السما هناك كانت مختلفة عن شكل السما في بقية المدينة، أو جايز أنا اللي كنت بقنع نفسي بكده، المهم إنها كانت صافية وزرقا بشكل جميل ومُريب في نفس الوقت. بليل، لما كنت بزهق من المذاكرة أو أفقد الأمل، كنت بروح عند آخر حتة من المدينة ناحية الأرض الفاضية، من هناك كان بيبان أنوار حي المتميز والعربيات اللي رايحة جاية والحياة اللي هناك، كنت بقعد أفكّر في إن ازاي الحياة هناك مختلفة عن الحياة هنا. هناك، في الضجة والدوشة دي، ماحدش عنده وقت يفكّر في حاجة، فيه واحد بيجري على شغله وواحدة بتجري لعيالها وواحد بيجري عشان ينام ويلحق الساقية بكرة من أولها، في حين إن هنا، في المكان الشبه مقطوع ده، في واحدة واقفة بتتأمّل الأنوار البعيدة دي وبتفكر هي معناها إيه. متهيألي إن شكل المكان اللي احنا فيه بيطبع علينا، يعني انا لو كنت دلوقتي في وسط الأنوار والدوشة دي، أكيد كنت هحس إني لازم أجري على حاجة، إن انا مشغولة وإني محتاجة ألحق حاجة مهمة، في حين إن الهدوء والبساطة اللي هنا طبعت عليّا إني أقف أتأمّل الحياة والناس وافسّر مغزى الكون!

في سنة تانية اختفى كل ده، مابقاش فيه مبنى إداري ومبنى أكاديمي، اتلمينا كلنا في مبنى واحد. فصلوا بيننا بسور شبه بتاع السجون ولحسن حظهم أو سوء حظي الجنينة بتاعتي بقت في الجنب التاني. أنا عيطت كتير اليوم ده، حسيت إنهم أخدوا مني حاجة ماكنش من حقهم ياخدوها. مابقاش فيه أنوار بعيدة بليل، أو أنا اللي مابقتش بقعد في الجامعة لحد ما تظهر، كنت بخلّص واجري على البيت عشان ألحق اللي ورايا، اتّضح إني كان عندي حق، شكل المكان اللي احنا فيه بيطبع علينا. في سنة تانية بقينا دفعتين، مابقاش المكان هادي وبسيط زي ما اتعودت عليه، زيادة الطلاب زوّد عدد الموظفين وخلّى الجامعة تقّفل مساحات واسعة كتير كانت موجودة لأوض تكفّي زيادة عددنا، الجامعة قررت تنزلنا 4 أيام في الإسبوع وبناءا عليه بقت كل الأيام مقفولة، كان طول الوقت في ناس بتجري-حرفيا بتجري- في كل مكان عشان تلحق محاضراتها اللي ورا بعضها، المكان بقى زحمة ومُخيف وخلّاني أنا كمان جوايا زحمة ودوشة كتير، الأماكن بتطبع على ساكنيها بشكل مُخيف..

في سنة تالتة قررت إني مش هعمل كده، مش هخلي الساقية دي تجرّني معاها، جايز عشان قريت في الوقت ده مقالات وقصص كتير بتتكلم عن أيام الجامعة وضياعها في دواير مالهاش لازمة، كان أهمهم أو أكثرهم تأثيرا فيّا مقال أحمد سمير: كبرنا وكبرت  اللامبالاة. الأماكن بتطبع علينا أيوة، بس بمزاجنا إحنا. السنادي لسة موجود كل الحاجات اللي كانت موجودة السنة اللي فاتت، الزحمة والدوشة والناس اللي بتجري، بس بقيت بدل ما اقعد ألعن في الساقية دي، بتأمل التفاصيل الجميلة اللي جواها. الدوشة دي أكتر تفصيلة جميلة في المكان ده، الناس اللي بتكلم كل الناس في كل الوقت، صوت الضحك والمجموعات اللي قاعدة مع بعضها بتذاكر، العياط حتى ومناظرنا كلنا واحنا طالعين من امتحان صعب، مظاهر الانتصار بعد ما نعرض مشروع كويّس والدكتور يقولنا كلمتين حلوين، كل حاجة كل حاجة في الساقية دي جميلة.
أنا حابة إني بنهي كتاباتي عالمدونة بالمقالة دي. قبل كده كنت بقرأ المقالات اللي بتتكلم عن شكل الأماكن زمان، وبساطة القرى وهدوء المدن الصغيرة وغيرها، وكنت بقعد أتحسّر إن الحاجات دي مابقتش موجودة دلوقتي. بس الحقيقة المقالة دي خلتني آخد بالي إن احنا اللي بنعمل من كل حاجة الكويّس أو الوحش. في أول الكورس قرأنا مقال (في مديح الدور الأرضي) واتحسّرنا كلنا على إن ليه الحياة ماترجعش بسيطة كده؟ متهيألي إننا في المستقبل هنبص لشكل حياتنا دلوقتي ونقول ليه الحياة ماترجعش بسيطة كده؟  فكرة إن الحياة بتُصبح أكثر تعقيدا هي فكرة مستمرة شئنا أم أبينا. الفكرة في إن احنا اللي بنبص لأي حاجة من الماضي على إنها حاجة جميلة ومش هتتكرر. كل مكان ليه بصمة خاصة على أصحابه، مافيش مكان أبدا وحش، اختلاف أشكال وألوان الأماكن هو اللي بيخلي الحياة بعيدة كل البعد عن الرتابة والملل، كل مكان أيا كان شكله فيه تفاصيلة الصغيرة الجميلة اللي مستنية حد يبصّلها.
أنا حابة إني اختم المقالة بالجملة اللي دكتور نسمة بعتتهالنا في أول الكورس، بعد ما بقى ليها عندي دلوقتي معنى مختلف تماما عن معناها الأول: 
"وصف رولان بارت المدينة بأنها (خطاب) و هذا الخطاب هو في الحقيقة لغة: فالمدينة تخاطب ساكنيها، و نحن نخاطب مدينتنا، نخاطب المدينة حيث نكون، بمجرد أننا نعيش فيها، و نتجول و ننظر."

فتّكوا بعافية.
     

No comments:

Post a Comment