Tuesday, April 5, 2016

فى المشاعر المقدسة

عند زيارتي الأولي لمكة كان عندي امنيات كبيرة امنيات حملتها منذ طفولتي لم أعلم شئ عن امكانية تحققها يوماٌ ما
مكة التي تمنيت رؤيتها لو أن لدينا حساٌ ذوقياٌ إنسانياٌ وحضارياٌ وتقدير للتاريخ الاسلامي , كنتَ سأدخل مكة أو المدينة فأسير في طرقات إحداهما كأنني في العصر النبوي، فتمتلئ نفسي بالهيبة للمكان ويزداد الشوق لساكنيه ولقاء الأحبة الذين ما رأيتهم لكن حكايا أمي عنهم كانت كافية تماماٌ .
مكة او المدينة التي تمنيتها فيها لافتات تخبرك أنك تجتاز حي بني سلمة، وأنك مارٌ بمزرعة أبي بكر في العوالي، وأن مكان الخندق الشهير أمامك، وأن علي يسارك الأن مر الصحابي الذي ارسله الله ليخبره اخبار العدو ، وأنك الآن في بيت الأرقم بن أبي الأرقم ، وأن قرار معركة أُحد اتخذ هنا، وأن المزرعة التي أمامك هي مزرعة اليهودي الذي حثا التراب على الجيش وهو في طريقه إلى أحد وأن هذه هي الحظيرة التي جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندما وجدوا عليه موجدة وأن هذا هو البئر الذي سقط فيه خاتم النبي , وهذا هو المكان الذي عفي الرسول صلي الله وسلم فيه عن المشركين بعد الفتح .تمنيت صوراٌ أخري لمكة والمدينة , صور عباقة التاريخ وروحانية المشاعر المقدسة , العبق الخاص بالتاريخ , العبق الذي ما زالت تحتفظ به مدينة القدس رغم كل ما يحاك ضدها , فى الأحياء العربية تحتفظ القدس بعبقها يحتفظ المسجد الأقصي بروحانيته وعبقه ومعالمه تحكي قصة طويلة جداٌ , المعالم الاسلامية فى المدينة رغم كل ما حيك بها ما زالت شاهدة علي عصور طويلة من التاريخ .لماذا يهدم كل هذا التاريخ ويضيع كل هذا من أجل بناء قنادق عالية وشاهقة ذات الخمسة نجوم وتحاط ساحات الحرم بمختلف أنواع المطاعم والمولات فى خير تعبير عن الحضارة الاستهلاكية , أصوات رافعات وتكسير فى كل مكان فهناك أعمال بناء وتشييد علي مدار السنة حتي أنك لا يمكن ان تشعر بالخشوع والسكينة والطمأنينة حتي وأنت فى ساحة الحرم .
لماذا لا تدخل الي مكة والمدينة فيكون أمام ناظريك العصر الزاهي والأوجهُ النيّرة و فتشتعر التضحيات الجسام التي قدمت من أجل ان ينتشر الدين ويخرج من ربوع مكة الي كل العالم فتزداد لمن قام بذلك حباٌ، وبها تعلقاٌ ، حتى كأنك تحس الوحي يتنزل فى ربوع تلك الاماكن كما نزل يوماٌ ما فى المرة الأولي علي سيد الانام صلي الله عليه وسلم.
كنت أود ان تكون نظرتي الأولي علي ساحة الكعبة تذهب مباشرة للمكان الذي يجذب الانظار هناك وليس بشكل تلقائي للبناء الأخر برج الساعة الأكثر لفتاٌ للانتباه والذي يثير اليه كل انتباه , لن تجد عند خروجك من ساحة الحرم أسواق ومولات تنتشر فى كل مكان , تجد الفنادق الشاهقة الارتفاع التي تحجب عنك رؤية أي عمود من العواميد حتي المتعلقة بساحة الحرم , لماذا يجب ان يكون هناك مطاعم كي. أف. سي. ومكدونالدز وفندق التوحيد البالغ من عرضه وطوله والذي لابد ان عينك ستنجذب اليه , لعله الأول هو وبرج الساعة أبرز معالم مكة .
أصبحا أبرز معالم مكة التي لم أتمني رؤيتها يوماٌ ما , مكة ذلك المكان الروحاني المقدس الذي يستحق ان نخلف عباءات التكنولوجيا والطبيعة الاستهلاكية ونقضي أوقات قرب وخشوع من الاماكن التي تحمل عبق الاسلام وتحتوي أول بيت وضع للناس الذي يجب ان تشد اليه الرحال , لا أن تشعر أنك قد شددت الرحال الي لاس فيغاس مدينة القمار الشهيرة التي يتشابه المعمار وثقافة البناء والهدم فيهما .كانسان أرغب فى الابقاء علي الحيز المقدس الروحاني لدي فى الاماكن المقدسة للعقيدة التي أمنت بها , ان تكون هناك سياسة معمار فى مكة والمدينة مغايرة لسياسة عمارة الرفوف والاستثمار البحت المربح لا أن يتحول الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي الي سياحة دينية يستفيد منها من يمتلك الفنادق والمطاعم والأرض التي يبلغ فيها سعر المتر الأعلي فى جميع مدن العالم .مكة التي أريدها , لا أريد فيها ان اقرأ أعلاناٌ يدعوني الي قضاء شهر العسل فى فندق مطل علي ساحة الحرم وتظهر فيه الكعبة من شرفتها , أريد المزيد من الاحترام لعبق التاريخ وقدسية وروحانية الاماكن المقدسة ومشاعر المسلمينهذه هي مكة التي تمنيتها والتي لم أجد منها سوي بناء من أربعة أركان يطوف الناس حوله يتوسط كل شئ وحوله كل ما يجذب ويشد انتباهك عنه .

1 comment: