Wednesday, April 6, 2016

في اختلافنا رحمة .. بس مش أوي

"ثم وصلت إلى مدينة مصر، وهي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر، ومحل رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها. شبابها يجد على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد."
ده كان وصف ابن بطوطة –الرحالة الشهير- لمصر، مش وصف حد من القرنين اللي فاتوا زي ما كان ممكن تفتكر لو مكتوبة بلغة أسهل شوية.
قال كمان: "وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو. شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده. فزين كل أهل سوق سوقهم، وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أيامًا".
في التكليف الثالث، لفت نظري جدًا تشابه تاريخنا على مر العصور.. يعني لو قريت فقرة (أو سمعت أغنية) عن تاريخ فترة ما في مصر ممكن جدًا تفتكر انك بتقرا عن حاجة معاصرة. بلال فضل دايمًا بيستخدم ده في مقالاته.. يكتب حاجة وانت تقراها وتتحمس، وفي آخر المقال يقول انه نُشر في 2008 مثلًا وما زال صالحًا للنشر (طبعًا ده إطار زمني أقل كتير من اللي قصدي عليه، بس هو بيحصل). الجدير بالذكر بقى ان التشابه ده ممتد ليشمل التركيب الاجتماعي للشعب كمان، و إن يعني المصريين قدروا محافظين على بعض صفاتهم وصفات مجتمعاتهم، لو ما كانتش الصفات دي بتورّث فغالبًا فيه حاجة فريدة جدًا خلتنا بنقدر نعيد نفسنا، ممكن مثلًا تكون هي أهمية التواصل بيننا (تقديرنا للعِشرة يعني) واننا بنعيش مع أهلنا فترة كبيرة فبنشرب منهم.. مش عارف، حاسس ان الموضوع ده شيّق جدًا ويستحق الدراسة لأي حد عنده ميول علمية.. سواء كنت من هواة الاختزالية أو الكلّانية (reductionism أو holism).
المهم، أنا عايز أركز على صفة من الصفات دي هنا، وهيّ التنوّع ووجود النقيض دايمًا في القاهرة. ده ظاهر جدًا في مدينتنا كل يوم وفي أحياء معينة مثلًا، الزمالك وبولاق زي ما يوسف كان كتب، والمعادي وغيرها. يمكن يظهر في الأحياء دي اختلاف المستوى المادي، بس مش بس المستوى المادي اللي مختلف في القاهرة.. كل حاجة تقريبًا. العِمارة مختلفة، الروح مختلفة، طبيعة الشوارع وأساميها كمان مختلفة، نسبة السعادة.. الفكر كمان مختلف جدًا. والأخلاق والمعايير الأخلاقية كمان.. ودي أكتر حاجة مش متأثرة بالمستوى المادي. أيام الثورة كان "همّا مين واحنا مين" من أكتر الحاجات المنتشرة، بالذات النسخة الفلّاحي اللي اتصورت في التحرير. أنا شايفها بتعبّر جدًا عن الاختلاف ده، اختلاف أكبر من حكام ومحكومين كمان.. واختلاف لو لم يُطوّع مظبوط، هينتج عنه كمية من القهر تليق بـ"القاهرة"، كما هو الحال يعني. إن شاء الله لينا كلام على النقطة دي تاني.. وإن شاء الله مصيرنا نوصل للأسباب الأوليّة اللي مخليّة شعبنا كده، يمكن نقدر نريّح الأجيال الجاية.

1 comment:

  1. في رأيي يا محسن الموضوع ملوش علاقة بالعشرة و لا بعيشتنا مع أهالينا لفترة طويلة، بالعكس، احنا اختلفنا عن أهالينا و بقى فيه فجوة أجيال منقدرش ننكرها.
    التفاوت و وجود النقيض زي ما انت سميته له علاقة بإعادة إنتاج نفس علاقات الانتاج زي ما بيقول ماركس. يعني من زمان الزمان كان الطبقة الأرقى في القاهرة هي طبقة المستعمر الأجنبي و المصريين القريبين منه، شوف عدى كام سنة و النظام فضل ينتج نفس العلاقة. حل بدل المستعمر الشركة متعددة الجنسيات، لكن فضلت الطبقة اللي لها علاقة بالأجانب أو برأس المال الأجنبي هي الطبقة الأرقى.
    ده نظام بيعاد إنتاجه، و محاولة تحديه مبتعديش على خير :)

    ReplyDelete