Friday, May 27, 2016

لَك اللهُ عزيزتي

في بقعة من بقاع الأرض غير طاهرة -معلش يا نقشبندي- وفي فترة من الزمان نتنةٌ مقفرة، كنت أهُمّ بزيارة صديق قرب الساعة العاشرة، أُخِذَ من طريقه للامتحان ظلمًا من قِبَلِ حكومة -لامؤاخذة- عاهرة. كانت شوارع القاهرة فاضياااااة وخاوية..مضطربةً.. خائفةً ومخيفة. وكذلك كانت نفوسُ الناس. وكذلك كانت نظرتُها. لا أذكر عنها شيئًا سوى مضمون تلك النظرة. قلت لنفسي أنّا ربما نعيش في
concentration camp
دون أن نشعر ببعضنا ودون أن نشعر بمعاناتنا - ربما لأننا لا نعرف حقوقنا؟- فأصبحنا لا نعرفنا، ولا نعرف كيف ينبغي أن نكون. تلك الفتاة ذات (ربما؟) العشرين عامًا. ربما لم تكن تدري أن فتاةً في سنّها يمكنها ألا تشعر بما كانت تشعر به من خوف وخواء. كانت تمشي في ترقّب. ترقبٍ يليق بمجرم مستجَد، يخاف الله ويخاف عقابَ عدلٍ توهّم وجوده لوَجلِه واضطرابه لذنبه. غير أنها لم تذنب. أو ربما ترقّبِ فريسةٍ ضعيفة في بلاد الضباع- المكان المظلم الذي لم يكن ينبغي لسيمبا، ولا الفتاة، أن يذهب إليه، والذي هو غير أرض العزّة في كل شيء. غير أنها خلقت بنتًا لآدم بين أبنائه، لا شبلًا وسط ضباع.
كان ذلك -حسبما أذكر- في 2014 المشئومة. في مارس من العام الحالي، قُدّر لي أن أقضي 9 أيام في بلد أوروبية. على الرغم من كونهم جميعًا كتاكيت حلوين -همّ بصراحة حلوين يعني- ينامون قرب الساعة العاشرة، وتخلو الشوارع وتوحش على عشرة ونص كده..، وبالرغم من أني قضيت غير يوم في الشارع حتى الفجر وأحيانًا حتى شقشق الصبح وتقوقظ القوقاظ، إلا أنه ربما كان وقتًا شعرت فيه بأمانٍ حقيقيٍّ للمرة الأولى في حياتي. في البداية كان الأمر غريبًا! فبماذا ينبغي أن أشعر؟ وما هذا الذي أشعر به؟ أهو الأمان؟ يا إلهي. لا أصدق. (لو مش بتقرا ده بصوت دبلجة مسلسل مكسيكي فإنت عندك مشكلة). ولكني اعتدت الأمر بعد ذلك. وسألت نفسي كتير مارستش يوم على بر: أئذا كانت صاحبتُنا هذه معنا، أكانت ستشعر بالأمان؟ أم أن وطنًا قد دمّر سنسور الأمان عند بناته؟
قرب قمة آرثرز سيت، وسط شبورة هائلة لم تمكننا من معرفة جنس من يلوح أمامنا، كنا نريد أن نسأل أين الطريق إلى القمة -ماديًا مش معنويًا. عندما لاح اللايح، ومن بعيد، حسيت كده أنه أنثى لايح -لامؤاخذة. ذلك بالرغم من قصر شعرها. أشرت إلى صديقي الذي كان يهم لسؤالها أن لا. ثم قلت ذلك بصوتٍ مسموع -بعد أن حالت الشبّورة بيننا- أن بلاش يا ابني، هنُفريكُها آوت. ذلك أن كنّا أربع شباب ميدل إيسترن إرهابيين وسطيين. وقال هو عادي يا عم هاسألها يعني. وحينما حان الوقت وتلاقينا، دلتنا على الطريق، وابتسمت وهرّجت. لم تشعر بخوف مطلقًا! هو آه كان الجو برد وشبورة! بس إهانة يعني لإرهابنا الوسطي إنه يـ جو أنّوتيسد. وحينها لاح لايح تاني، وهو لايح صاحبتنا في ذاكرتي وحدي. وأدركت أنه ربما قد كانت ستشعر بالأمان. ولكنه أمانٌ غيْر. شيء ما قد عطِب. فقط لأنها عاشت ههنا. في قاهرة تقهرها.

2 comments:

  1. في التدوينة بتاعت الاعلانات، قريت اسم الكاتب "محمد عبد الله" و افتكرتك "مخمد عبد الله عبد الجواد".
    لما قريت التدوينة دي عرفت إنك محسن :D

    ReplyDelete
  2. أنا حابة أُشير لاستمتاعي الشديد بالمدونة دي يا محسن، أدامها الله عليك نعمةً يا سِيدنا
    وانا زي دكتور نسمة يعني، عرفت انك محسن مالأسلوب :D

    ReplyDelete