Tuesday, May 10, 2016

عن سنوات الغربة الأولى: الحياة قصيرة جدًا

"القاهرة الساعة تلاتة لو سمحت؟" يُقلّك السوبر جيت من موطنك ويلقي بك في الصحراء، لا تتبيّن الملامح إلا قليلا. بعد قليل، تعثر على فريستك، بضع قوالب إسمنتية مرصوصة فوق بعضها البعض، يسمّونه –زورا وبهتانا وإثما وظلما وفسادا في الأرض- سُلّمًا. سلم المحور: حيث تتلاشى الأمنيات. على هذي الأرض ما يستحق الحياة، وعلى المحور كل ما يستحق الموت. قوالب إسمنتية مرصوصة بعشوائية أسنان الكهل في آخر أيامه، لا يَدين، لا شيء يسندك، لا شيء يقيك الوقوع سوى دعواتك ودعوات الصالحين من معارفك. الحياة قصيرة جدًا، هذه حقيقة تدركها جيدًا عند أول درجات "السلّم".
ارتبطت معي أكتوبر دائما بسلم المحور.ارتبطت معي بالصحراء والعشوائية والتعب وقِصَرِ الحياة. أحمل عبء قلبي وحدي وأصعد المحور. في الحقيقة أحمل عبء قلبي وعبء حقائب السفر وأكياس الطعام المُجمّد، وأصعد سلم المحور.
في أواخر السنة البائدة تبدّلت حياتي كثيرا. كلا، لم أتزوج وبالطبع لم أُرزق أطفالا، لكنّ تجديد سلم المحور كان كافيا لتغيير معالم الحياة بالنسبة إليّ. بنوا له سلالم حقيقية، أصبح له يدان، أصبح عندي ما يأخذ بيدي ويسندني أثناء رحلة الصعود. تغيرت أكتوبر أيضا بالنسبة إليّ؛ لم تظل الصحراء الجرداء العابثة الشاقة، أصبحت حدائق المتميّز والمطاعم السورية ومجمَع الأصدقاء. لم أعُد أحمل عبء حقائب السفر وأكياس الطعام المجمّد. عادت الحياة لطبيعتها، أصبحت فقط أحمل عبء قلبي،وحدي، وأصعد سُلّم المحور.

No comments:

Post a Comment