Sunday, May 22, 2016

مدينة بلا عنوان

إنني أفهم اللغة التي تخاطبني بها هذه المدينة ، جيدا ، أكثر من أي أى أحد فيها ، هذه ثقة ساذجة وعتيدة بحيث تجعلني أقول أنني أفهم اللغة التي تخاطبني بها مدينتي أكثر من أي أحد أخر فى هذا العالم , ربما تكون هذه حماقة لكن ما المشكلة بأن تكون أحمقاً فى بعض الأحيان ؟ .


لماذا تأتيني هذه الثقة ؟! ليس لأنني توحدت مع هذه البقعة ، مع أوجاعها و أفراحها ، مع أولادها و أحلامها ، مع شوارعها الضيقة و الملتوية ، و طرق الاسفلت الواسعة بها ، ليس لأنني تعاملت فيها و عوملت بكل حب ممكن وبكل قسوة ممكنة وإن كانت القسوة غلبت الحب فى معظم الأحيان !  ، بل لأنني كنت خارج هذا كله ، لأنها و مهما سحقتني فيها و روضتني ، ظللت غريباً و بعيداً  .


لأن كل صوت كان يناديني فيها كنت أسمع صداه “اهرب بعيداً” ، “بعيداً ” ، “أنا المدينة المقبرة و أنا وجه الموت و الحرب و الفقر و الجهل ، أنا مدينة البسطاء و التعساء” " مدينة اللاحب واللأمان" أعرف هذه المدينة لأنها أرغمتني و مرغت قلبي ، و نزعت عني وجودي المستقر ، والهاديء .


أعرف هذه المدينة لأنها أظلمت علي ، فجأة ، ثم لم تعد تضيء ،كنت أنا و لحمي و عيني وقودها و ضوءها .ذكرياتي التي عشتها في قلبها ، أتذكرها في الظلام و وأكتب عنها في الظلام و أنشرها في الظلام .أيعقل كل هذا الجنون  ؟!


ماذا سأقول للجيل القادم ، ربما علي أن أقول ماذا سيقول الجيل القادم ؟!إن سلمناه نفس القسوة ، و نفس الحرقة و نفس الظلام .


أفهم لغة المدينة ، هل أكره مدينتي إذن ؟! هل هي مدينة لا تطاق .حسنا ، أنا لا أكره المدينة ، و إن كانت لا تطاق ، هل هذا تناقض ، انشطار ، نفاق ؟!


لا ، إن سرديتي حدثت هنا و إدراكي لسرديتي حدث هنا ، ذاكرتي ، و ذكرياتي ، التعاسة و لحظات السعادة ، الحزن و وجه الحبيب الأول .

هل أحب أن أحتمل ؟! من أجل مدينة تشتاط علي ، تطعمني جمراً ، عقداً ، و نار ، هل أحب أن أحتمل جحيم المدينة ؟!

لا لن أحب أن أحتمل ، لكنني أحب المدينة نفسها ، تاريخاً ، و ذاكرة .


ما لغة المدينة إذن ؟! أن أحب ، ثم أقفز هارباً نحو البحر ، أو نحو السماء ، و تظل المدينة في قلبي أغنية قديمة ، جميلة ، و حزينة ، لا تنسى . و أقول لنفسي و تسمع صوتي المدينة : لا عاش من هرب ، لا عاش من ترك المدينة ، و أسمع دقة الخوف ، و دقة الموت ، و دقة الحرب ، و دقة الذاكرة في قلبي ، تدقها بعنف شوارع المدينة .


1 comment: